Translate

الاثنين، 14 أغسطس 2023

صديقي الشهيد أبو حنصل، قصة من وحي الواقع

 

 



في ذكرى صديقي الشهيد  أبو حنصل :

كان صديقي أبو حنصل قبل إستشهاده رحمه الله و تقبل منه ، يحكي لي عن معاناته النفسية مع الفقر و الحرمان، لكن رغبته  و إرادته القوية في أن يصنع من نفسه شخصا مهما يخدم العدالة و الإنسانية والحق، من خلال منهجه في الدعوة الى الاسلام، و نشر  مبادئ الاحسان الى الناس رغم اختلاف ملتهم و طوائفهم . 
كان قلبه طيبا وشجاعا لا يخشى في الله لومة لائم ، و لا يكره أحدا ، إلا الظالمين و المتكبرين و مصاصي دماء الفقراء .
أتذكر أننا في ليلة من الليالي ونحن عاكفون في أحد الإعتصامات الإحتجاجية ضد الفساد و الإستبداد السياسي،  منذ عشرين سنة في الرباط، وكنا لا نزال ندرس في الجامعة ، بعد إنتهاءنا من ذلك الحدث النضالي، جلسنا فوق حائط قصر الودايا يطل على البحر، نحكي عن أحلامنا و نتساءل عن هذا القرن الجديد الذي نحن بصدد الدخول إليه ذلك العام ، على الرغم من النكبات التي ستأتي و توالي  الإنكسارات و الهزائم التي تلاحق شعوبنا في مواجهة خصوم الإنسانية، إضافة إلى الغموض الذي يواجهه مستقبلنا الذي نحلم به  كشباب ينشد التغيير و يملك أحلاما مثالية بريئة سرعان ما تنكسر أمام واقع قاسي، وغير مستقر في مغرب الفوارق و الفساد والظلم.
قال لي أبو حنصل المسكين:  و هو يحكي عن زيارته الأخيرة لبلدته البعيدة في عمق جبال الأطلس الصامدة ، أتدري يا أحمد أنا حزين على نفسي و أنا أتذكر ذلك اليوم الذي إستقبلني فيه والدايا، و لأول مرة  نظرت الى وجهيهما بكل تمعن، و هما نائمين القيلولة في الفناء، و تأملت سحناتهما جيدا.
وأضاف و هو يبكي: أتدري يا صديقي رأيت الشيب يعلو فوق رأسيهما و الشيخوخة نالت من جسدهما ، بقيت أنظر اليهما كأنني لم أراهما من قبل ونفسي تبكي يا صديقي لأنني منذ سنين وأنا كنت مشغولا بنفسي ولم أنظر الى قسمات وجهيهما، وانتابني احساس بالخوف والحزن، لأن والدي صارا عجوزين وضعيفين و سيحتاجان الى من سيتكفل بهما، وفكرت في الموت ولوعة الفراق الذي سيأتي يوما ما لا محالة، وبكيت في أعماق نفسي أسفا على نفسي لأني سأخذلهما بسب عجزي و حرماني و فقري في هذا الوطن الجريح الذي يحكمه المال والقوة ، و الفوارق الإجتماعية التي تمارس مستقبلي  لأول مرة وأنا في بداية مشواري في الحياة، و اكتشفت قساوة  العالم من حولي وفهمت سر الوجود و ما يحكم  العلاقات البشرية، التي يسيطر عليها منطق القوة وليس منطق الحق والعدالة والمساواة .

و أضاف أبو حنصل المسكين و علامات الأسى واليأس تملئ تعابير وجهه : 
إن  إحساسي بالشفقة و الحنان تجاه منظر والداي خلال ذلك اليوم يا لن يفارق تفكيري مهما حييت، لأني اكتشفت دورهما في تكوين شخصيتي و بناء حياتي ومدى مساندتهما لي في كل مراحلها  وتضحيتهما من أجل بناء مستقبلي وسعادتي .
بكى أبو حنصل ذلك اليوم و أبكاني معه، لتنتهي تلك الأيام بفراقنا بعد نهاية السنة الدراسية و عودتنا إلى ديارنا و نحن نقرأ دائما قول ربنا في سورة البقرة : 
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ  رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا  رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا  رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ  وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا  أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
 البقرة (286﴾.
بعد سنين من ذلك اليوم الحزين، و بعد انتهاء مسارنا الدراسي، و دخولنا في مرحلة جديدة، عالم قاسي و مجهول، فقد إختطفنا واقع البطالة و الضياع والصراعات السياسية الهامشية، تلك الحياة التي كان يخشاها صديقي حنصل، هموم أخرى كانت تنتظرنا و هي البحث عن عمل شريف يكفي حاجتنا في العيش الكريم.
في أحد أيام خريف 2009 حيث كنت بصدد القيام ببعض الأعمال التجارية البسيطة بمدينة فاس، لمحت شخصا أمامي يشبه صديقي حنصل برفقته إمرأة تمشي بخطى ثقيلة ،أشرت إليه بيدي و إقتربت منه و أنا أبتسم، أهلا بك يا صديقي فتعانقنا طويلا و تصافحنا، و جلسنا طويلا و نحن نتذكر تلك الأيام التي خلت، نسترجع خلالها بعض الأحداث المميزة، و عن حالنا و أحوال عائلتينا.
كان في زيارة للمستشفى، برفقة أخته وهي مريضة  جدا، جلسنا وتذاكرنا و ضحكنا و تجادلنا لمدة ساعات، وتكلمنا في السياسة والدين والعائلة والعمل و تكلمنا عن الرفاق والاخوان والسلفيين والأمازيغية و المخزن و وأحوال المدينة و القرية ، وتفرقنا مرة أخرى على أمل اللقاء في مناسبة أخرى.
 
و بعد انطلاق ربيع التغيير سنة 2011 و تزعزعت خلاله عروش بعض الأنظمة الفاسدة، و سقط بعض الديكتاتوريين في مصر وتونس و اليمن و العراق..... من حكام العرب المجرمين، و إنقطعت خلاله أخبار صديقي  أبي حنصل و لم اعد اسمع عنه شيئا ، وسألت عنه معارفه والعائلة ، وقيل لي ربما رحل الى أوروبا و منهم من قال يعيش في  طنجة وبعدها ذهب لسوريا للقتال، الى أن جاءني الخبر اليقين بعد سنة ، أن أبا حنصل سقط شهيدا في الميدان ، يقاوم العدوان كعادته دفاعا عن المظلومين و المستضعفين، سقط برصاصة  قناص جبان ، فاصيب في رأسه ومات في الحين .
 اصابني حزن قاتل و بكيت لثلاثة أيام ، وأنا أتذكر كلماته لما التقينا في مدينة فاس خلال زيارته للمستشفى برفقة أخته المريضة و التي كانت بحاجة الى عملية جراحية عاجلة على القلب:  ماذا عساني أفعل يا أخي أحمد فأنا عاجز عن توفير ثمن العملية وسأعيد أختي الى البيت لتموت ، واذا ماتت فلن أغفر لهذا النظام المفلس الذي تحكمه عصابات أعماها حب السلطة والمال والتكبر في الارض ، ولا يكترثون لهذا الشعب المسكين ، وأردف متسائلا و هو يقبض على ركبتيه بقوة: هل سنموت نحن أيضا على هذه الحال يا احمد مذلولين ضعفاء مقهورين ؟؟؟؟ ألا نستطيع فعل شيئ لتغيير هذا الواقع ، لقد حرمنا من تعليم جيد ثم لم نستطع الحصول على عمل محترم ، والآن نعيش النكبات يا أحمد ؟؟؟ .........

مسكين أبو حنصل الأسد الذي صار ضحية ، و أغتصب مستقبله و حاضره و ماضيه من طرف من لا يخاف الله ولا يرحم الرعية .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق